علاقات العمل و استراتيجية الفاعلين الاجتماعيين الجزء الثاني

Publié le par Sahli Yacine

إن تصور المؤسسة يختلف على حسب سياقها ( القانوني و الاقتصادي و التشريعي ) تنتج حلولا لـ "مشكلاتها " و من هنا لها منطقها ، لا يمكن فهمه إل بالرجوع إلى الفاعلين أنفسهم. فلا يوجد لتسيير أمثل لأن التسيير نجاعته تكون بما يريده الفاعلون أنفسهم. و مهما كان يبدو التسيير نموذجي ، فنجاعته لا تظهر إلا بقدر ما يقبله الفاعلون و يدمجونه ضمن مصالحهم وأهدافهم على حسب ما يدركونه من إكراهات و موارد يمنحهم إياها المحيط الذي يتحركون فيه.

و موضوع هذا البحث المتواضع هو محاولة للتعرف على إستراتيجية الفاعلين الاجتماعيين في المؤسسة العمومية الصناعية الجزائرية. أي معرفة الحلول التي يلجأ الفاعلون في بناء علاقات العمل وكيفية تسيير نزاعاتهم. و ما هي إكراهاتهم و مواردهم التي يتمثلونها  وتسمح لهم باللعب  ضمن علاقة التأثير المتبادلة للفاعلين في بعضهم البعض و من خلال التحالفات و التنازلات والمساومات. والتي لا يمكن فهمها إلا بالرجوع  للفاعلين أنفسهم . ولقد تم عرض الاكراهات الفعل الجماعي  ضمن اكراهات  عامة للمحيط  و خاصة بمؤسسة البحث كما يتمثله المشاركون أنفسهم في البحث والكشف عن الحلول التي  ابتكروها لكي تعرف المؤسسة استقرارا لمدة 13 سنة.  و لقد تبين من خلال المعطيات الميدانية والملاحظة والمقارنة بين إجابات المشاركين إمكانية تفسير و فهم هذا الاستقرار للمنظومة العينية للفاعلين ، من خلال آليات  التشريعات القانونية التي تمنح الإدارة و رئيس المؤسسة هامشا من الحرية يسمح له باحتكار سلطة القرار الاقتصادي . ذلك أنه يملك القدرة على تكييف القانون بما يسمح له بتسريح العمال أو توظيفهم أو إعادة  تجديد عقد العمل أو منح فرص التمهين لأقارب أو أبناء العمال ومعارفهم . فمن خلال   وضع إستراتيجية لمنظومة المكافآت والعقوبات والتحفيزات بواسطة التحيز من شأنه أن يسمح بإعادة توزيع الإكراهات  و الموارد التي يمنحها التنظيم الرسمي. و الذي يمنح بدوره فرص لكل الفاعلين من أجل التنافس من أجل الاستفادة من هذا التحيز أو على الأقل المحافظة على ما يدركون أنه مكسب. و يظهر من خلال اجابات المشاركين أنه يتمثل في الأجرة التي أصبحت مضمونة شهريا . إن  رئيس المؤسسة بواسطة  التلاعب و لعبة التأثير يحظى بتمثل إيجابي للمشاركين ليس لكونه كفءا ونزيها و إنما لكونه متفهما لظروف العمال مما يجعله يبدو أنه خبير بالمؤسسة وكيفية اشتغالها. فهو يساير منطق استدلال الفاعلين فيها : إنه ولد الدار و ابن الشركة و " ولد  عائلة " و " ولد سيدي سالم " وليس خريج إحدى جماعات الأمريكية في المناجمنت. إن صرامته مع العمال فيها تحيزا مما يجعل المنافسة قائمة بين العمال أنفسهم و ليس مع الإدارة،  يغنيهم ذلك عن التضامن مع بعضهم البعض. و يسمح بظهور الفردانية في استراتيجياتهم المتباينة و المتغيرة :" طاق على من طاق " . مما يدل على ذكائهم وانتهازيتهم في اقتناص ما يسمح به واقع المؤسسة و الفرص التي يدركونها. لذلك عندما يتعلق الأمر بوضع المؤسسة يقبلون بالعمل" السيئ " و تكون  " مشكلتهم"  هي  إكراهات من خارج المؤسسة ، متعلقة بسياسة الدولة . ويرون أن الذي يجعل مناخ المؤسسة مقبولا هو " الأجرة الشهرية " و لا يتوقعون المشاركة في أي احتجاج جماعي في المستقبل. و تتغير إستراتيجيتهم تماما عندما يتعلق الأمر برغبتهم في التغير و تبرير هذا التغيّر . إذ أن الذي يقفز للأذهان هو : كيف  تصبح " مشكلتهم " هي المحسوبية و" الحقرة " و التحيز والمعاملة الديمقراطية في مكان العمل. مما يدل على أن إستراتيجية الفاعلين ليس ثابثة و على أنها ليست واحدة و أنها لا تتم في فراغ و إنما ضمن  سياق إكراهات وموارد يدركها الفاعلون.

و من هنا فإن أي تغير لا يتم دونهم. و من هنا يكون اخذ بعين الاعتبار إرادتهم ونياتهم من الضروري، لنجاح أي  مشروع . و مهما كان هذا المشروع يبدو رائعا ، و مهما كان التنظيم يبدو نموذجا للترشيد. فإن كل ترشيد للتنظيم خارج إرادتهم ، و مهما كانت وسائل المراقبة والضبط ، سينجح الفاعلون في إنتاج سلوكات بديلة تسمح لهم بالتكيف معه . و سيعيدون تشكيلها  على حسب مصالحهم وأهدافهم .  إن الذي يبدو ليس رشيدا هو إرادة أن يكون التنظيم والمنظومة مغرقة في الترشيد.

 

Publié dans Sociologie

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article