استراتيجية المنشأة الصناعيّة العموميّة الجزائريّة - الجزء الخامس

Publié le par Sahli Yacine

إستراتيجية المنشأة الصناعية العمومية الجزائرية

الجزء الخامس

على مستوى الممارسة بدت هيمنة التقنوطراية كأثر للمكانة التي تحتلها في علاقاتها مع باقي القوى الأخرى، و خاصة فيما يتعلق بامتلاكها المعلومة. و من أجل إكراه التقنوقراطية   للامتثال لخطاطة مسطرة من فوق ، اتخذت تدابير إكراهية ذات طبيعة مالية على EPI . وذلك بما يمليه القانون المالي الصادر سنة 1970. إضافة إلى ضرائب متنوعة و التي يجب عليها تسديدها. كما فرضت وجوب تسديد للخزينة قيمة التموين الاهتلاكي وغيرها من الاكراهات. فغاية هذه الاكراهات  من الناحية العملية نضب سيولات  المؤسسات و إخضاعها إلى المخطط ، الذي يُفترض أنّه وحده يحكم على صلاحية المشروع و نجاعة تغطيته ماليا. فكان غاية هذه الإجراءات الحد من  مناطق عدم اليقين Zones d’incertitudes  والحد من حرية اختيار التقنوقراطية  في تسييرها وإخضاعها لقرارت البيروقراطية - السياسية . إلا أن هذه الاستجابة المتوقعة لم تكن  بالضرورة حدوثها ، إذ أن الإكراه المالي الذي تئن تحته المؤسسة العمومية الصناعية  دفع التقنوقراطية إلى التعامل مع البيروقراطية – الإدارية .  و هذا التحالف سمح لها بالمحافظة على حريتها في اتخاذ القرار الاقتصادي الحقيقي  رغم أنف البيروقراطية – السياسية.

هذه الفرصة المتاحة لها وفرتها الوسيلة التكنولوجية التي دونها لا يمكن أن يكون لتصنيع ولا الصناعة المصنعة و لا التنمية و لا الاستقلال الاقتصادي. بتعبير آخر أن سياسة الخطة المركزية والتسيير المركزي و تصور التنمية نفسه وفر شروط استحواذها على سلطة القرار الاقتصادي نفسه. لذلك الاختيار لم يكن مطلقا أو تلقائيا بل بناء اجتماعيا جماعيا. و من هنا فهو منظم له قصديته و ليس محددا مسبقا بل محدود فحسب باكراهات الفاعلين ومصادرهم. يتبيّن منه إستراتيجية الفاعلين الاجتماعيين. إذ كان مسيّرو المؤسسة العمومية الاقتصادية منتدبون في مهمة غرس التكنولوجيا الأجنبيّة المعقّدة. فكانت " المشكلة "  ـ أنذاك ـ الاهتمام  كليّة بأنماط اكتسابها و شروط تركيبها إعداد البُنى التحتيّة لاستقبالها والابتداء في توظيفها . فمن حيث الشكل الجوانب المالية و التقنية تقدّم في ملف مشروع يرسل إلى المخطط. وهذا الأخير لا يملك المعلومات الكاملة حول المشروع وتكاليفها، كما أنه لا يملك المستخدمين المؤهلين الذين بواسطة خبرة مضادة لهذه المشروع يتمكن من الحدّ من حرية البيروقراطية وسلطتها. لذلك لم يكن الحل المقبول ـ في هذه الحالة ـ هو الإذعان ومنحه قبول المشروع بتكاليفه المقدمة لها. وإذا حدث لسبب أو لآخر رفض المشروع  واستبعد، تعارض التقنوقراطية أو على الأقل من يوجهها وبشدّة.()

و توقعا لهيمنتها الاقتصادية ، و ابتداء من 1971، اتخذت البيروقراطية – السياسية قرارا من المفترض أن يحول دون نجاح التقنوقراطية في استحواذها على سلطة القرار الاقتصادي داخل EPI، فأنشأت ما يدعى بالتسيير الاشتراكي للمؤسساتGSE    .الذي سيسمح ـ حسب توقاعتها ـ بإعادة توزيع اللعب من جديد و من هنا الغلبة لصالحها . فتترجم ذلك القرار السياسي، على مستوى الخطاب الرسميّ المصرّح به هو من قبيل :

          (( لا يمكن أن تتضح لنا الأبعاد الرئيسيّة لهذه السياسة إلاّ من خلال الطريقة التي تُسيَّر بها هذه المؤسسات  وخلق نوعا من المسؤولية لدى العمال وبالتالي إحداث تغيير نوعي في عقليات الإطارات والعمال والفلاحين)).()

     فسمح المجال للنقابة تحت رعاية الحزب و مجلس العمال بقيام دور توعية العمال على "الأخلاق الاشتراكية "(). يمكن القول أن التسيير الاشتراكي للمؤسسات تمّ تصوره من أجل منع رسوخ بنية التقسيم الرأسمالي للعمل و تنظيم علاقات العمل داخل المؤسسة العمومية الصناعية: تقسيم بين عمل فكري ) التصور  laconception ) ويدوي ( التنفيذ  l’exécution).() فالعامل حسب هذا التصور النظري ، منتج ومسيّر. فعمليا ـ بتعبير آخرـ  تكون إعادة النظر في علاقات القوة، بإعادة النظر في علاقات العامل بالمسيّرين في المؤسسة الصناعية ، ببناء علاقات جديدة تسمح للعامل بممارسة سلطة من خلال مجلس العمال. و الذي  كان يُتوقع منه ـ و من المفترض ـ أن يكون العمال المؤهلين و غير المؤهلين دون تمييز، التطلّع إلى أنماط التسيير و يكونون طرفا شريكا فيه ، ومشاركا فعالا في مختلف القرارات المتخذة في المؤسسة العمومية، مثل شروط العمل و الإنتاج وغيرها.

منذ انطلاقته، أصبح التسيير الاشتراكي للمؤسسات هدفا – رهانا. بالنسبة للمسيِّرين الهدف يقتضي إفراغه من جوهره: بلوغ العمال إلى اتخاذ القرار الاقتصادي و ممارسة «حقهم" في مراقبة وتوجيهه،  بالمشاركة الفعليّة في تسيير المؤسسة العمومية(). وبالنسبة البيروقراطية – السياسية راهنت على تمثيلها بواسطة العمال ، بإعادة توزيع السلطة في تسيير المؤسسة وتوحيد طريقة التسيير في مختلف المؤسسات. و بالتالي افتكاك من الداخل جزء من القرار الاقتصادي وتقليص  " مناطق عدم اليقين " . ومن هنا نيّة الحدّ من هيمنة التقنوقراطية في القرار الاقتصادي .

 

-Sari M.,Op.cit., p.14.

- جبهة التحرير الوطني، الميثاق الوطني، الطبعة الشعبية للجيش، 1976، ص 123.

- الابراهيمي أ. ط. ،من تصفية الاستعمار إلى الثورة الثقافية،ت.حنفي بن عيسى،ش.و.ن.ت، الجزائر، 1972، ص303.

- فلقد جاء في الميثاق أن: ((  هدف  السلطة الوحيد هو تحيق مطامح الجماهير التي تمثلها هذه السلطة و كذلك ترقية العمال  في جميع الميادين  حتى يمكن لهؤلاء أن يتصرّفوا دائما و بكيفيّة أكثر في مصيرهم)). أنظر : جبهة التحرير الوطني،التسيير الاشتراكي للمؤسسات ،والنصوص التطبيقية،ص10.

-Sari M., op.cit., p.15.

Publié dans Sociologie

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article