استراتيجية المنشأة الصناعيّة العموميّة الجزائريّة - الجزء الرابع
الجزء الرابع
I. مرحلة التمركز الاقتصادي الرسمي و السلطة التقنوقراطية: يمتد من 1967 إلى غاية 1987:
في وسط السنوات الستينات ، شهد ميلاد إستراتيجية التنمية الاقتصادية الانطوائية ومحاولة الاستقلالية أكثر عن السوق العالمية الرأسمالية و الابتعاد عن تأثير قانون التقسيم الدوليّ للعمل .() فكانت الإستراتيجية ذات طبيعة اشتراكية، و كان نموذج التسوية المعتمد هو التخطيط المركزي. تفضل هذه التنمية بشكل واضح و كبير الصناعة و التصنيع و من خلال آثارها الاقتصادية القوية من تحفيز وإدماج.
لقد اقتضى ذلك ، إنشاء شبكة صناعية من مؤسسات عمومية (EP) مسماة بالشركات الوطنية وكان آنذاك عددها ضئيل: 2 تابع لقطاع المحروقات و الكهرباء، و 5 لقطاع الصناعة الثقيلة و 11 لقطاع الصناعة الخفيفة. في مجموعها 18 مؤسسة عمومية صناعية (EPI) . وكانت الحصيلة في مجملها مؤسفة. إذ كانت في متوسط مدى استعمال قدرات الإنتاج للـ (EPI) ، فهي تدور بين 70 و 75% . هذه النسبة لا تضم نسبة التبذير و تغطي بشكل كبير التباين الموجود بين وحدات الإنتاجية للمؤسسات العمومية الصناعية. و يمكننا أن نستعرض بعض النتائج:
1ـ ضعف إنتاجية العمل و تكلفة مرتفعة للإنتاج .
2ـ عدم فعالية جهاز الإنتاج المرتبط بإنتاجية العمل ، و الذي يظهر في تكلفة الإنتاج. فتكلفة الإنتاج تبعا للمنتوج ، نسبة ارتفاعها حسب معايير دولية يصل إلى 50 وحتى 100% حسب بعض الدراسات. ()
3ـ عدم التوازن في الاستغلال: ليس هناك معطيات متجانسة. إذ في سنة 1973 قدر عجز خزانة المالية للشركة الوطنية للحديد والصلب SNS في 540 مليون دينار جزائري. و من 1973 إلى غاية 1975 كانت مساهمة خزانة الدولة المخصصة لتوازن حسابات الاستغلال لـ EPI العاجزة تزيد أكثر من 784 إلى 3854 مليون د.ج.
إن كل الوقائع المقدمة تبيّن أن المؤسسة العمومية الصناعية تحصلت على نتائج هزيلة. ويتبيّن كذلك على التباين و التباعد اللذان ظهرا بين سيرورة الإنتاج للقطاع الصناعي و الّذي عدّ كمقوّم أساسي للتنمية الوطنية للاقتصاد الجزائري. و لقد قدّم لهذا الفشل في انتشال الجزائر من التبعية الاقتصادية و الاستقلال الاقتصادي ، بهشاشة جهاز الإنتاج وضعف قدرته على اقتحام نهج التنمية الاقتصادية ، و إلى نقصان العامل البشري وغياب تجربة للمسيِّرين، يضاف إلى ذلك ضعف التأطير الذي ينجر عنه ، و عدم استعداد العمال لمهام صناعية. مما يجعل المؤسسة وكأنها منفصلة تماما عن محيطها و تشتغل في منظومة مغلقة.()
و يبدو حسب الأستاذ " صاري " ـ معلّقا على هذا التفسير و إضافة له ـ ، يقدّم لعب الفاعلين الاجتماعيين أو ما يدعوهم " بالقوى الاجتماعية النخبوية " و إستراتيجيتها في الاستحواذ على سلطة القرار الاقتصادي و أشكال ممارستها لأنماط التسيير. إن لعب هذه القوى المحدود من حيث هو اختيار مقصود و قصدي لمحافظة كل قوة اجتماعية على مصالحها الاقتصادية ، ما كان لكي يكون لولا التنظيم نفسه للتدرج في كيفية التحكم في الاقتصاد الوطني و توزيع السلطة من خلال الانتداب. فكان التدرج النظري للقوى الاجتماعية و الفاعلين الاجتماعيين المالكين لسلطة القرار الاقتصادي كالتالي:
1.المستوى الأول: البيروقراطية – السياسية ـ في أعلى السلم ـ التي تضطلع بمهام تصور وتفكير التنمية و التصنيع. فيبدو على حد تعبير أحمد هني :"التصنيع بنية فوقية تحاول إنتاج بنية تحتية مانحة للمشروعية légitimante". أي بتعبير آخر أن التصنيع والصناعة المصنعة أصبحا مهمة للدولة من الضروري تحقيقها ، و لأنها كذلك تحوّلت إلى أيديولوجيا ووسيلة لتبرير سلطة قائمة تبحث عن مشروعية تؤسسها. و من هنا تبحث عن تحالف مع قوى اجتماعية أخرى من أجل إنجاح سياستها. ()فكان من غاياتها إحداث قطيعة مع روابط التبعية و الغلبة الاقتصادية الخارجية. والحرص على تنجز باقي القوى الاجتماعية أو الفاعلين الاجتماعيين مهامها المحددة بصورة توافق هدف الاستقلال الاقتصادي و تجسّده. و كان ذلك شرط ضروري و كاف لتمتين و إبقاء حرية التحرك السياسي. فكانت هذه القوة المشكلة من إطارات سياسية التي تستند إلى حزب جبهة التحرير الوطني FLN ، الحزب الوحيد أنداك و الذي من شأنه ضمان لها لتنفيذ إرادتها و مهامها المفكر فيه والمعذّ مسبقا. ()
2.المستوى الثاني : البيروقراطية - الإدارية : ـ حسب التدرج النظري لممارسة القرار الاقتصادي الرسمي التي تحددها التشريعات و التعليمات و القرارت ـ: والمتكوّنة من المسؤولين الإداريين المدعمّين من طرف مديرياتهم . فهي قوية من خلال القرارات المتخذة من طرف البيروقراطية – السياسية و استنادا إلى المعلومات المستقاة من الوزارات الوصية و الوحدات الاقتصادية. إنها تهتم إلى توجيه نشاطات الإنتاج الوحدات المؤسسات العمومية EP ، و تحديد وسائل انجازها وضمان متابعتها.
3. المستوى الثالث: التقنوقراطية: الممثلة المباشرة و المشرفة على التصنيع وتنفيذ تصور التصنيع المفكر فيه من قبل البيروقراطية -- السياسية. والمتمثلة في إطارات المؤسسة العمومية الصناعية EPI و فريق الوزارة الوصية.و التي هدفها تفعيل الوسائل المختلفة ، داخل إطار تنظيمي محدد.()
إن هذا التخصص و هذا التكامل للقوى الاجتماعي النخبوية و التدرج النظري كان من شأنه أن يترتب عنه تناغم القرارات التي تتخذها من أجل دفع بالمسار التنموي و جعله يقوم بدور هام اندماجي، إلاّ أن الممارسة حالت دون ذلك.() أو بتعبير "ريمون بودان ترتب عنه " آثار غير مرغوب فيها effets indésirables " و غير متوقعة من طرف أصحاب القرار السياسي أي غياب قدرة تحديد الآثار.
(يتبع)
- la Conférence Internationale Syndicale Arabe, Equilibre et Rupture dans le Monde, Les revenues pétroliers arabes et leur utilisation, Politique aujourd’hui, Numéro 78,Juillet-Août 1980.p.p.3-4.
- العربي إ، التنمية الاقتصادية في الدول العربية(في المغرب)، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع،، الجزائر،1980،ص ص 123-124.
-S.P.Thierry, la crise du système productif Algérien, Université des sces sociales de Grenoble, 1985, p.3